مفتاح السعادة الحقيقية
السعادة والنجاح موجودة في داخلنا وتحتاج إلى احياءها فى قلوبنا وتحتاج أيضا إلى الماء الطاهر ليسقي بذور الأمل في نفوسنا عندها نرفع راية السعادة والنجاح
يقول مصطفى لطفي المنفلوطي "لا سعادة في هذه الحياة إلا إذا عرف كل ذي حق حقه ، وقنع كل بما في يده ، ويدع ما في يدي غيره ، والسعادة كالزهرة الناضرة ما قنع رائيها بمنظرها وأريجها ، فإذا جاوز ذلك إلى لمسها والعبث فيها ذوت وذهب جمالها ورواؤها, والإنسان سعيد بفطرته وإنما هو الذي يجلب بنفسه الشقاء إلى نفسه ، يشتد طمعه للمال فيتعذر عليه مطمعه فيطول بكاؤه وعناؤه ويعتقد أن بلوغ الآمال في هذه الحياة حق من حقوقه ، فإذا غدرت به ناله من الهم م ما لم يكن ليناله" .
ولعلي أجد السعادة الحقيقية في قول المصطفى صلى الله عليه وسلم " من أصبح آمناً في سربه , معافى في بدنه , عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها " صحيح ابن حبان.
نخرج من هذا الحديث بثلاث أمور من يملكها ملك السعادة والنجاح وهي :-
الأمن في الأوطان , والصحة في الأبدان , والعمل الدائم الذي يجلب الرزق . وهذا هو المعنى الحقيقي للسعادة والنجاح .
ولكي نحقق ما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم يجب أن تعلم شيئين هامين :-
* * * أن السعادة والنجاح هما أمران يمكنك التدريب عليهما .
* * * أن المصادر الثلاثة والتي جاءت في الحديث الشريف السابق يمكن أن نستمدها من المفاتيح الخمسة عشر التالية :-
( 1) أبدأ بنفسك وكن مبادراً.
قال الله تعالى ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) الرعد(11) .
فهنا توجيه رباني واضح وصريح بأن بداية التغيير هو تغيير الذات والنفس أي أن التغيير بأيدينا, فكن مبادراً وأبدأ بإدارة ذاتك وردد الكلمات التي تدفعك للنجاح والسعادة وحدد نقاط القوة لديك وتخلص من عيوبك وحدد أهدافك وثق بنفسك وكن فاعلاً لا مفعول عليه فإذا ما انتظرت حتى تكون أنت نفسك هدفاً لفعل الآخرين فسوف تكون عرضة لأفعال الآخرين,فيجب أن نغير طريقتنا في التأثير وتغيير المشاعر المستنبطة .
فشخصيتنا هي في أساسها مجموعة مركبة من العادات العادات ليست سوى عوامل قوية التأثير في حياتنا وهى النقطة التي تلتقي فيها المعرفة والمهارات والرغبة
فليست الأحداث التي تجري في حياتنا هي التي تشكلنا بل قناعتنا حول ما تعنيه هذه الأحداث هي التي تفعل ذلك
( 2 ) أبدأ والمنال في ذهنك.
قال عمر بن عبد العزيز "إن لي نفساً تواقة , تمنت الأمارة فنالتها , وتمنت الخلافة فنالتها وأنا الآن أتوق الجنة وأرجو أن أنالها "
وهذا مثال جميل لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في البدأ والمنال في الذهن فبهذا تحقق ما أراد له رضي الله عنه .
أي أبدأ بتصور وتخيل نموذج لما ستكون عليه حياتك كإطار مرجعي تضبط على محكها كل أمورك وسلوكك , ولتبدأ بتحديد المنال والى أين تتجه
فابدأ وكن واثقاً من نفسك وكن شخصاً قادرعلى تحقيق منالك , وقد ثبت عبر العصور كلها إن الأيمان في قدراتنا الذاتية يزيد من الرضا بالحياة بنسبة 30 % ويجعلنا أكثر سعادة ونجاح.
(3) أبدأ بالأهم قبل المهم.
كما في وصية أبي بكر الصديق لعمر الفاروق رضي الله عنهما " أعلم أن لله عملاً في الليل لا يقبله في النهار وأن لله عملاً في النهار لا يقبله في الليل ".
فها هم رضي الله عنهم وأرضاهم يضربوا لنا أروع الأمثلة في إدارة الوقت ونجد من خلال الوصية أن الأعمال كلها لله أي أنها مهمة ولكن لكل عمل وقت للقبول فهنا يأتي فن إدارة الوقت في تقديم الأهم على المهم .
فتركز هذه القاعدة على إدارة الوقت والتفريق بين العاجل والمهم والبدء بالعاجل ثم المهم.
فيجب أن لا تصنف الأشياء إلى مهم وغير مهم بل إلا مهم وأهم والبدأ بالأهم ثم المهم ويجب
أن ترتكز أمورك المهمة على قواعد ومبادئ ومعايير لكي تستطيع أن تمتلك فن إدارة الوقت وتفرق بين المهم والأهم فتملك السعادة والنجاح.
(4) لا تواجه مشكلاتك منفرداً.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من استعاذ بالله فأعيذوه ومن سأل بالله فأعطوه ومن دعاكم فأجيبوه ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه "صحيح ا بن حبان .
كما قال عليه الصلاة والسلام " مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى "مسند الإمام أحمد .
يوصف لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم حال المسلمين أو ما يجب أن يكون عليه المسلمين في حال السراء والضراء , فهذا التوجيه النبوي الكريم يوضح أهمية التعاون بين المسلمين بالوصف البديع الذي ذكره عليه الصلاة والسلام بتشبيه المسلمين بالجسد وأعضاء هذا الجسد هم من حولك الذين يفرحون لفرحك ويتألمون بألمك ويساعدوك في مصائبك .
فيمكن أن تظهر المشكلات وكأنها غير قابلة للحل , فعندما نكون وحيدين فان المشكلات تكبر ولكن بتقاسمها يمكن أن نحصل على منظور آخر للمشكلة وان نجد لها الحلول.
ولا تنسى دائماً أن يد الله مع الجماعة فاسأل من هم على خبرة ودراية بما تواجه من مشاكل فالمشكلة كالكعك إذا اقتسمت على اثنين انتهت أسرع من الكعك الذي يقتسمه شخص واحد فقط .
(5) لا تجعل حياتك متوقفة على عامل واحد.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما , أبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما " سنن الترمذي.
فالعامل هنا شخص والتوجيه النبوي يدلنا على أن لا نوقف الحكم على هذا الشخص بأنه بغيض أو حبيب فقد يتغير هذا العامل وكذلك باقي العوامل في هذه الحياة .
فالحياة تتألف من عدة أوجه مختلفة لا تركز كثيراً على جانب واحد من حياتك فلا تستطيع أن تشعر بالسعادة والنجاح إذا لم يستقر هذا الجانب تحديداً فقد يصبح محور تفكيرك ويميت استمتاعك بأي شيء آخر وهي أمور يمكن أن تحبه.
فوسع قاعدة الاستمتاع ولا تضيقها على عامل واحد فيضيق معها الشعور بالسعادة والنجاح.
(6) أستمتع بما لديك ولا جدوى من حسد الآخرين.
قال عليه الصلاة والسلام " الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب" سنن أبي داود.
فهنا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسد وعدم جدواه بل يأكل الحسنات وهذا التحذير ما هو إلا لعلمه عليه الصلاة والسلام بضرر الحسد على نفس الحاسد وأوصى عليه الصلاة والسلام بالاستمتاع بما نملك من آمان و صحة وعمل .
فلا جدوى من حسد الآخرين وان تفضيلك لما تملك على ما لا تملك أو لا تستطيع أن تملك يقود إلى سعادة ونجاح والعكس صحيح تماماً .
فالقناعة هي الكنز والكنز الذي لا يفنى , فليس الاستمتاع بما لديك فقط هو الذي يجلب لك السعادة والنجاح بل يجب أن يقترن بعدم جدوى النظر فيما يملك الآخرين .
(7) لا تساوم على أخلاقياتك من أجل تحقيق أهدافك.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه " ما حاججت أحداً إلا وتمنيت أن يكون الحق على لسانه " فلم يساوم رضي الله عنه بالعدالة لأنه خليفة بل أقام العدل حتى على نفسه.
فان الناس الذين يتنازلون عن معتقداتهم لتحقيق أهدافهم يجدون أنفسهم في نهاية المطاف غير قانعين بإنجازاتهم , فإذا كنت لا تعتقد بأن لديك مبادئ فان القناعة أمر لا يمكن تحقيقه.
(
الالتزام والمرونة والصبر.
قال الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابرو ورابطوا وأتقو الله لعلكم تفلحون ( آل عمران الآية 200 . )
فهذا توجيه رباني لمن أراد الفلاح والنجاح والسعادة عليه بالصبر والمصابرة أي الالتزام.
ويفشل الناس أحياناً ليس بسبب نقص القدرات ولكن بسبب نقص في الالتزام فإذا لم يكن لديك القدر الكافي من الصبر والالتزام لمواجهة العقوبات والموانع فانك ستفشل وتستسلم .
ويجب أن يكون مع الالتزام والصبر مرونة لكي تقربك من تحقيق أهدافك واستعداد لتغيير خطتك في كل مره تواجه فيها التحديات فقد تؤذيك أهدافك إن لم تستطيع تحقيقها
( 9 ) الذنب المستمر يسلبك السعادة والنجاح .
فها هو عبد الله بن عباس رضي الله عنه عندما فقد عينيه وعرف أنه سوف يقضي بقية عمره مكفوف البصر لم يندب حظه العاثر بل صرخ صرخة الرضا الداخلي قائلاً:-
إن يأخذ الله من عيني نورهــما ****** فـفي لساني وقـلبي منهـما نــور
قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخلٍ ****** وفي فمي صـارمٌ كالسيـف مأثــور
فلا تلق باللائمة على نفسك فهذا النوع من التفكير لا يتسبب لنا في الانزعاج وحسب بل يعيقنا عن العمل أيضاً وعليك أن تتذكر أنه من العقلانية أن تعالج النتائج بدلاً من إلقاء الملامة.
فان السعادة والنجاح لا تعتمد على عدة الأشياء السيئة التي تحدث للفرد بل الأهم من ذلك هو أن لا يعمد الشخص إلى استخلاص نتائج سلبية عندما تحدث أمور سلبية له , فالأفراد الذين يعدون أنفسهم سبباً في الأحداث السلبية يكونوا أقل قناعة في حياتهم بنسبة 43% من أولئك الذين لا يفكرون في الأمور على هذا النحو .
فيجب أن يكون عندك رغبة وحاجة وأمل لكي تتحقق لك الإرادة التي تخلصك من التفكير السلبي نحو الأمور التي حدثت.
(10) عندما لا تحصل على ما تريد لا يعني أنك غير ناجح.
فهذا زيد بن ثابت أراد أن يتعلم السريانية ولم يحصل عليها وهذا لا يعني أنه غير سعيد أو ناجح فقد وضع لها طريقة تعلمها وتعلمها في سبعة عشر يوماً.
فليس ما يواجهك من تحد حقيقي في الحياة هو أن تحصل على ما تريد فقط ولكن الاستمرار في أن تريد ما تحصل عليه , فنجد أن العديد من الناس حصلوا على ما يريدون ولكنهم لم يستمتعوا به طويلاً ومهما نالوا لا يكفيهم ويشعرون دائماً أن هناك ما يفتقدونه.
(11) المال لا يشتري السعادة والنجاح.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تعس عبد الدينار " صحيح البخاري.
فها هو رسول الله يصف لنا حال التعساء بأنهم ما هم إلا عبده للمال فالمال يحقق جزء بسيط من السعادة والنجاح إذا كان يحقق الأمن والصحة وجلب الرزق , فتجدنا نقضي الكثير من الوقت نلهث وراء المال قلقين نجمعه ونعده والرضا بالحياة لم يعد أمراً محتملاً بين الأغنياء .
( 12 ) المــــعـــــــــــــــــرفــــــــة .
قال الله تعالى { اقرأ باسم ربك الذي خلق } (العلق )
هذا أول توجيه رباني نزل على سيد الخلق بضرورة القراءة والمعرفة لما للمعرفة والعلم من أهمية فالمعرفة هي قوة وبمقدار المعرفة التي لديك ستكون مبدعاً وستكون لديك فرص أكثر. لتكون سعيداً وناجحاًً , فبالمعرفة ترتفع درجة ذكاؤك ويتفتح ذهنك لأفق ومجالات جديدة .
فالمعرفة إما معرفة الشيء أو معرفة المصدر للمعلومات عنه فلا تهدر أي فرصة تتاح للتعلم سواء من شخص أو موقف أو أي وسيلة إعلامية أو أي طريقة للتعلم والمعرفة .
(13) لا تفكر وفقاً لمبدأ لو , وفكر بماذا لو ؟؟ .
كما في التوجيه النبوي " لا تقل لو كان كذا لكان كذا فان لو تفتح عمل الشيطان "
وهنا يوجهنا عليه الصلاة والسلام بأن الندم على ما فات بكلمة لو تتفتح معها أبواب الشيطان وبالمقابل تقفل معها أبواب السعادة والنجاح .
وان قضاء وقتك في التفكير فيما يمكن أن يكون قد حصل لو أنك استطعت أن تغير قراراً بسيطاً في حياتك أمر غير مجدٍ ويدعك غير مسرور .
ولا تجعل تفكيرك الحالي يدور حول امكان تغييرك للماضي وإنما أجعل تفكيرك يدور حول تغيير حاضرك ( .
والتفكير بمبدأ ماذا لو افعل كذا وكذا هو أسلوب تفكير المبدعين والموهوبين في حل مشاكلهم للوصول إلى الشعور بالسعادة والنجاح .
(14) أذكر الله والتجأ إليه.
قال الله تعالى { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب } الرعد(28. )
فالآية الكريمة تدلنا دلالة واضحة على أن من أراد الاطمئنان والسعادة والنجاح عليه بذكر الله
فدائماً أجعل لسانك رطباً بذكر الله , فهناك أذكار تجعلك سعيداً راضياً وأذكار تفتح لك أبواب الرزق والنجاح, ودائماً التجأ إلى الله فلا منجأ ولا ملجأ إلا إليه فهو مفرج الكرب , وهو ميسرنا إما إلى طريق الفوز والنجاة وإما إلى طريق الخسارة والهلاك.
فدائماً وأبداً لا تقطع صلتك بربك فاذكره في السراء يذكرك في الضراء , وهذا هو المفتاح الدائم والشامل لجميع البشرية للنجاح و السعادة .
(15) لا تستعجل النتائج.
قيل يا رسول الله ما الاستعجال قال"يقول يا رب قد دعوت وقد دعوت فما أراك تستجيب لي فيدع الدعاء"صحيح ا بن حبان .
هذا المثال الرائع لمعنى الاستعجال يوضح لنا أمور كثيرة , أهمها نهي النبي صلى الله عليه وسلم للاستعجال مع ضرب هذا المثال في علاقة العبد مع ربه عندما تكون بعجلة لا تحصل الاستجابة , والمعنى الذي أراد أن يوصله إلينا عليه الصلاة والسلام في آخر الحديث عندما قال " ثم يترك الدعاء " , فهنا الخلل الذي وقعنا فيه وهو ترك الدعاء فأي سعادة أو نجاح نترجاها عندما نترك الدعاء أو نستعجل الإجابة.
وهذا يقاس على جميع أمور حياتنا فما جاء بعجلة ذهب بعجلة أو ربما لا يأتي أصلاً .
فمن يظن أنه بمجرد تطبيق أي مفتاح من المفاتيح السابقة فانه سوف يحصد نتائج سريعة ومذهلة فانه يغالط نفسه وسوف يتركها ونسي الجانب الأهم في هذه المفاتيح وهو الالتزام والصبر لحصد النتائج الحقيقية والدائمة للسعادة والنجاح
أسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى أن يجعلني وإياكم ممن كتب الله لهم السعادة والنجاح في الدنيا و الآخرة, وأن يحسن لنا القصد والعاقبة انه حسبنا ونعم الوكيل.